وسط تحديات مناخية وتنموية: تزايد الحراك الاجتماعي من أجل الحق في الماء وبيئة سليمة

متابعة: ناجح الزغدودي

ما تزال القضايا البيئية في تونس وما يتصل به من حقوق بيئية موثقة من جهة ومشاكل بيئية متفشية، من اولوليات المواطنين وتشغل بال الكثيرين سواء الخبراء ام النشطاء البيئية والاعلام.

ولئن سجلت القضايا البيئية تراجعا في الحضور الإعلامي من ناحية التغطية ونقل مشاغل المواطنين وكشف الاخلالات ونقل أصوات المواطنين، الا ان القضايا ما تزال حاضرة ميدانيا على ارض الواقع من خلال تحركات احتجاجية وتوثيق حقوق للمطالبة بالحق في بيئة سليمة والمطالبة بتطبيق القوانين وتحميل المسؤولية الى الجهات المعنية، سواء مصادر التلوث العمومية والخاصة او ضعف الرقابة.

وتمثل الاحتجاجات البيئية نسبة كبيرة من بين التحركات الاجتماعية الأخرى مثل الحق في التشغيل والتنمية…وتهم الاحتجاجات مجالات التلوث البيئي من انتشار لانواع الفواضل خصوصا الفواضل السائلة مثل مياه التطهير في المجال الترابي والبحري وقضايا مياه الشرب التي تترواح بين تلوث مياه الشرب فقدانها في عديد المناطق.

وتعد ولاية القيروان من اكثر الجهات التي شهدت حراكا بيئا في البلاد التونسية من خلال الاحتجاجات للمطالبة بمياه الشرب والمطالبة ببيئة سليمة في ظل انتشار مثير للاستغراب للفواضل المنزلية وتعمد حرقها.

حيث سجلت ولاية القيروان24%من مجموع التحركات البيئية بمعدل67تحركا تليها قفصة ب28تحركا ونابل ب27 تحركا. وفق ما جاء في التقرير السداسي الأول من سنة 2025 للحركات البيئية لقسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. 

وجاء في التقرير “شهدت البلاد التونسية حتى موفى شهر جويلية 2025، 280 تحركا بيئيا من أصل 2744 تحركا اجتماعيا أي ما يقارب 10% من مجموع التحركات الاجتماعية. وقد عرفت هذه التحركات ارتفاعا طفيفا مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، حيث بلغ عددها أنذاك 259 تحركا بيئيا.”

 

ولان الماء هو مصدر كل شي حي، وعنصرا حيويا للبقاء والتنمية، ولأنه اضحى من أبرز القضايا البيئية المعاصرة في العالم وفي تونس في ظل التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري التي أدت الى تراجع الموارد المائية علاوة على قضية عدالة التوزيع، مثل الحق في ماء الشرب المطلبية الرئيسية بنسبة48%من مجموع التحركات البيئية، أي ما يعادل135تحركا مقابل56تحركا وفق ما جاء في التقرير.

 

لاجل الحق في بيئة سليمة و89تحركا فالحيا. وقد تزامن ارتفاع نسق التحركات البيئية مع انطلاق الموسم الصيفي وارتفاع درجات الحرارة حيث تم تسجيل192تحركا بين ماي وجويلية، من بينها109تحركا خلال شهر جوان وحده (2025).

 ونوه تقرير المنتدى ان أغلب التحركات كانت احتجاجًا على الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب، حيث تم تسجيل120تحركًا في20والية، أبرزها القيروان وقفصة. وشهدت مدن الحوض المنجمي خلال شهر جويلية موجة من الاحتقان والوقفات الاحتجاجية وصولا الى الاعتصام داخل مغاسل الفسفاط في محاولة للضغط من أجل وضع حد للانقطاعات المتكررة للماء الصالح للشرب وتمكين كل متساكني الجهة من الحق في الماء خاصة الأحياء المرتفعة التي تعيش حالة من العطش على امتداد السنة وانقطاعات تتواصل لأكثر من اسبوع في الكثير من المناسبات.

الحق في بيئة سليمة

تمثل الحقوق البيئية، أولوية هي الأخرى في ذهنية المواطنين بفضل تراكم الوعي البيئي والوعي القانون بالحقوق البيئية المدسترة. حيث مثلت التحركات من أجل الحق في بيئة سليمة20% من مجمل التحركات البيئية حيث تم رصد22تحركا للمطالبة برفع التلوث بالفضلات المنزلية والحد من المصبات العشوائية خاصة في القيروان.

كما تم رصد15تحركا للحد من التلوث بمياه الصرف الصحي أبرزها كانت في المنستير حيث عادت أزمة تلوث خليج المنستير إلى الواجهة في جوان2025، بعد تسجيل نسب مرتفعة من الملوثات الصناعية والمياه المستعملة التي تصب مباشرة

في البحر دون معالجة، وهو ما تسبب في نفوق أعداد كبيرة من الأسماك وأضرار كبيرة لقطاع الصيد البحري، فضلا عن حالة الاحتقان والغضب التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة. وقد شهدت تفاعلا من الحكومة من خلال زيارة ميدانية لرئيس الجمهورية للاستماع لمشاغل المواطنين والصيادين.

 وفي هذا السياق فقد أعلن عن خروج 28 شاطئا عن خدمات الترفيه والاصطياف في سنة 2025 مقابل 23 شاطئا سنة 2020 مما عني ارتفاع حالات التلوث البحري وتآكل الشريط الساحلي وهي احدى القضايا البيئية الكبرى التي تحتاج الى حلول وتدخل من الجهات المعنية.

كما تم رصد9تحركات ضد ظاهرة التلوث الصناعي أبرزها كانت في قابس حيث يقود المجتمع المدني المحلي منذ شهر ماي حملة ضد مشروع تركيز وحدة إنتاج الأمونيا الخضراء بالمنطقة الصناعية بقابس وضد إخراج مادة الفوسفوجيبس من

قائمة المواد الخطرة. وهوما اعتبروه مزيدا من تكريس المنوال الاستخراجي الحالي المستنزف للبيئة وتراجعًا خطيرًا عن قرار تفكيك الوحدات الملوثة الصادر في29جوان2017.

 

القطاع الفلاحي

مثلت التحركات الفالحية32%من مجموع التحركات البيئية. وكان توفير مياه الري من بين أهم المطلبيات حيث تم تسجيل 19تحركا أبرزها كان اعتصام الفالحة بولاية توزر خلال شهر ماي2025على إثر النقص الكبير في مياه الري في عدد من واحات النخيل بالجهة.

 كما تم تسجيل33تحركا احتجاجيا شغليا للمطالبة بتفعيل الاتفاقيات وتحسين ظروف العمل وكان أبرزها التجمع المركزي لعمال واطارات القطاع أمام وزارة الفالحة، ضمن سلسلة من الاحتجاجات بدأت بحمل “الشارة الحمراء” في12جوان.

 هذا وتعددت المطلبيات الأخرى ومن أهمها كانت النداءات المتواصلة للسلطات المعنية لمكافحة تفشي انتشار الحشرة القرمزية في عديد الولايات على غرار نابل والقيروان ونداءات الاستغاثة بسبب انتشار الجراد الصحراوي خاصة بالقصرين. كما شهدت والية توزر خلال شهر جويلية عاصفة ترابية شديدة تسببت في خسائر مادية وأضرار بالمحاصيل الزراعية.

ويُعد تفاقم تغير المناخ من العوامل التي تزيد من حدة وتكرار هذه الظواهر الطبيعية الموسمية. كما ساعدت درجات الحرارة المرتفعة وانتشار الأعشاب الجافة والنشاط البشري على نشوب سلسلة من الحرائق في الغابات ومحاصيل الحبوب والأعلاف

في عدة مناطق على غرار باجة وطبرقة وجبل الفراشيش بسليانة. حيث أعلنت إدارة الغابات أن المساحة المتضررة جراء الحرائق بلغت550هكتارًا حتى منتصف شهر جويلية.

أشكال التحرك البيئي

خلال السداسي الأول من سنة2025،تعددت أشكال التحركات البيئية وتنوعت بين ما هو رقمي وميداني، حيث شكّل النشاط في الفضاء الرقمي61% من مجمل التحركات، مقابل39% منها على الميدان. وبحسب طبيعة هذه التحركات، تصدرت

النداءات عبر وسائل الإعلام المشاهد بنسبة50%، تلتها الوقفات الاحتجاجية أمام مقرات الإدارات العمومية بنسبة23،% في حين مثلت نداءات الاستغاثة والبيانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حوالي10%، أما الأشكال الأخرى مثل الاعتصامات، وغلق الطرقات، والمظاهرات فشكلت نحو17% من الحراك البيئي.

ان هذا الحراك البيئي القانوني والمشروع، يمثل نداءات الى الجهات الرسمية من اجل الانتباه الى القضايا البيئية المتفاقمة ونداء استتغاثة الى الجهات الرسمية من اجل التصدي الى مصادر الخلل وتطبيق القانون وضمان الحقوق سيما الحق في الماء في ظل حالة الشح المائي الذي تعيشه البلاد وفق تقارير خبراء فضلا عن تقارير رسمية وطنية ودولية.

وتمثل التحركات الاجتماعية، صوتا مواطنيا ودعوة اجتماعية من اجل تحقيق التنمية العادلة عبر الية الرقابة. ودعوة من النشطاء والاعلام ان يتم تبني استراتيجيات بيئية ملائمة في ظل ما تعيشه البلاد من مشاغل بيئية متعددة في ظل تمدد اثار ظاهرة التغير المناخي من جهة وغياب الرقابة على المؤسسات الصناعية الملوثة وتطبيق القانون على مصدر الاضرار بالبيئة وتكريس مفهوم الحق في البيئة او العدالة البيئية.

المصدر: المرصد الاجتماعي التونسي